Archive
Bahrain Freedom Movement
لم تتضح اهداف الزيارة التي قام بها ملك البحرين الي بريطانيا هذا الاسبوع. فمع انها زيارة عمل حسب وصف الحكومة، فقد أحيطت طبيعتها بسرّيّة كاملة، واكتفي بترديد الكلمات الفضفاضة التي تصاحب مثل هذه الزيارات. وتزامنت الزيارة مع بدء معرض فانبرة الدولي للطيران الذي يعقد مرة كل عامين، وعرف عن حاكم البحرين حرصه علي حضوره.
الملاحظ ان الآلة الدعائية التي أثبتت كفاءتها خلال ما يسميه المواطنون عام التخدير وهي فترة الاثني عشر شهرا التي فصلت بين اقرار الميثاق والغاء دستور ،1973 تم تشغيلها بكل طاقتها، فقامت بنشر اعلانات مدفوعة الثمن في اغلب الصحف البريطانية اليومية مقابل مبالغ طائلة من خزينة الدولة، وتمت استضافة العديد من الشخصيات البريطانية في اطار اساليب تحسين الصورة السلبية التي تكوّنت في الاذهان خلال الحقبة السوداء، ومواجهة الاعلام المعارض الذي نجح في الفترة الاخيرة في كشف سلبيات الوضع. فما هي الرسالة التي حملها ملك البحرين الي بريطانيا؟ وماذا سمع من مضيّفيه؟ وماذا يجري علي ارض الواقع في البلاد التي يحكمها؟ وماذا حدث لمشروعه الاصلاحي بعد التعثر الخطير الذي مني به في الشهور الاخيرة؟ وما مستقبل الاوضاع في هذه الجزيرة الصغيرة؟ وهل استطاع الملك بأساليبه الجديدة استغلال التناقضات فيها لتمرير المشاريع التي فشل عمه في فرضها قبله؟ وماذا عن التحركات الجديدة التي تعتمل تحت السطح؟ في البداية لا بد من تسجيل عدد من الحقائق في هذا الاطار. اولها ان منطقة الخليج تمر بمرحلة صعبة لاسباب منها التهديدات المتصاعدة بتوجيه ضربة امريكية للعراق، وثانيها شعور حكام دول الخليج بالعجز عن رفض المطالب الامريكية بالمشاركة العملية فيها، وثالثها، تداعي العلاقات في ما بين دول مجلس التعاون لاسباب غير واضحة تماما (المهاترات الاعلامية بين السعودية والامارات، واستمرار فتور العلاقات بين قطر والبحرين، وعجز مجلس التعاون عن التحول الي قوة سياسية اقليمية فاعلة)، ورابعها شعور ملك البحرين بوصول مشروعه الي باب مسدود بعد انكشاف ابعاده الخطيرة للشعب خصوصا في ما يتعلق بتغيير التركيبة السكانية للبلاد، وخامسها رغبته في الحصول علي مردودات اقتصادية وعسكرية وسياسية. ويفسّر البعض السماح بخروج مسيرات عديدة ضد الولايات المتحدة برغبته في رفع سقف مطالبه عند الحديث مع الامريكيين وغيرهم. ولتثبيث ذلك خرج وزير الداخلية الاسبوع الماضي ليتحدث عن ايران زاعما انها تدعم مجموعات في الخليج والبحرين. هذه رسائل يبعثها النظام للغربيين ليستمروا في دعمه. ولوحظ تركيز الاعلانات الدعائية المدفوعة الثمن التي نشرت في الصحافة البريطانية علي ما يتناغم مع الذوق الغربي بشكل عام واظهار البلاد تحت حكم الشيخ حمد بانها واحة من الاستقرار والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحقوق المرأة. يأتي ذلك علي خلفية الصورة السوداء القاتمة التي لصقت بالعائلة الحاكمة منذ تعليق العمل بدستور البلاد التعاقدي في 1975، وتراجع موقع البحرين الاقتصادي لصالح دبي. وبرغم بعض المردود الايجابي من تلك الاعلانات، فقد رأي فيها سياسيون وصحافيون بريطانيون محاولة غير ناجحة لاظهار الواقع علي غير حقيقته. ويقول هؤلاء ان التجارب مع انظمة الحكم في منطقة الشرق الاوسط علّمتهم ان الحقائق تخالف عادة ما تتضمنه الاعلانات الدعائية الباهظة الاثمان، وان الواقع يجب ان يتحدث عن نفسه عبر ممارسات ديمقراطية منفتحة يتكلم عنها المواطنون انفسهم ولا تحتاج لوسائل الدعاية المشابهة لما يستعمل للترويج للمواد الاستهلاكية. قبل سفره الي لندن، كان الشيخ حمد قد التقي وفودا عسكرية امريكية وتحادث معها بشأن الوضع في المنطقة، كما فعل نجله، ولي العهد، الامر نفسه مع الجنرال بانكس، قائد القوات الامريكية. فواشنطن اتخذت قرار ضرب العراق وطالبت حكومات دول الخليج ليس بالوقوف معها فحسب بل بتوفير تسهيلات عسكرية ومشاركة مالية ايضا. وبرغم ان أغلب هذه الدول ومنها الكويت يعارض ضرب العراق خارج اطار الامم المتحدة، فان قرار الحرب قد اتخذته واشنطن وانها بصدد تحديد الموعد فقط. وهناك من يقول ان حكومة البحرين التي تعتبر القاعدة الاساسية للاسطول الخامس الامريكي، تسعي للاستفادة من هذا الموقع، ويعتبر زيارة حاكمها الي لندن خطوة في هذا الاتجاه. فحكومة البحرين، كغيرها من الحكومات الخليجية والعربية، لا تقوي علي الاعتراض علي الحرب الامريكية، وبالتالي فمشاركتها في تلك الحرب تحصيل حاصل، والامريكيون لا يتوجهون الي المنطقة لاستحصال الاذن، بل للابلاغ وطرح نوع المساعدة التي يحتاجونها، وفي اغلبها سياسية ولوجستية. وكانت حكومة البحرين قد استفادت من الحرب الامريكية ضد افغانستان بالحصول علي تصنيفها من قبل الولايات المتحدة كحليف متميز من خارج دول الناتو . وهذا لا يمنع الحكومة من السماح ببعض المظاهر الاحتجاجية ضد السياسة الامريكية، فذلك يحقق لها امورا عديدة منها توفير مجال للتنفيس عن حالة الغضب الشعبي، واظهار وجود حريات عامة تسمح بحرية التعبير عن الرأي والموقف، وكشف الجهات المناوئة للسياسات الامريكية، التي كثيرا ما تكون مناوئة للسياسات الحكومية ايضا، وبالتالي تحمي الحكومة نفسها من الضغوط الخارجية في ما يتعلق بالاوضاع الداخلية. الشيخ حمد في زيارته الي لندن لم يكن بحاجة للاعلانات التي نشرت في الصحف البريطانية، لولا التطورات السلبية التي حدثت في البلاد في الشهور الاخيرة، والوعي الشعبي القادر علي مواجهتها. فحاشيته تشاطره الشعور بضرورة العودة الي اساليب استغلال الاعلام لمواجهة تراجع شعبيته بعد الغاء دستور البلاد. فالاجراءات التي تمّت منذ استلامه الحكم، في نظر شعب البحرين، تتجاوز في خطورتها القرارات التي فرضت خلال الحقبة السوداء. وحتي القرار الذي اتخذه والده، بتخطيط من عمه رئيس الوزراء، قبل 27 عاما بتعليق العمل بب
عض مواد الدستور، أقل خطورة من الغاء الدستور جملة وتفصيلا في 14 شباط (فبراير) الماضي. واستقدام الاعداد الكبيرة من العمال الاجانب خلال تلك الحقبة أقل خطورة من القرار الذي اتخذه الشيخ حمد بتغيير التركيبة السكانية في البلاد بمنح حق التجنس للاجانب والسماح بازدواجية الجنسية لحوالي عشرين مليون مواطن خليجي ليسوا بحاجة لها سواء من الناحية السياسية او الاقتصادية. وتقنين الطائفية السياسية عبر توزيع البلاد الي دوائر انتخابية تقوم علي اسس طائفية بحتة، يتجاوز سياسة التوازن الطائفي في المجلسين التأسيسي والوطني السابقين. أما إلغاء الحقوق الطبيعية المشروعة للمواطنين واستبدالها بنظام المكرمات فيتجاوز كذلك نمط تعاطي الحكم في السابق مع الشعب في اطار المجالس المفتوحة . كما ان مصادرة حق المواطنين في التعبير عبر وسائل الاعلام الرسمية فقد تجاوزت ما كان متوفرا لدي المواطنين في الخمسينات عندما كانوا يعبّرون بحرية عن مواقفهم وآرائهم في الصحف المستقلة مثل صوت البحرين و القافلة وغيرهما. وساهم في مشاعر الاحباط لدي المواطنين تخلي الملك عن وعوده المتواصلة بتوظيف العاطلين وتوفير السكن المناسب والقضاء علي الفساد، بالاضافة الي وعوده السياسية المكتوبة قبيل التصويت علي الميثاق. وتعمقت مشاعر الغضب لدي المواطنين عندما لاحظوا سياسة الترقيات التي اتبعها الشيخ حمد للمتهمين بالتورط في ارتكاب جرائم التعذيب. فبدلا من تقديم هؤلاء الي محاكمات عادلة، تمت ترقية العديد منهم وكذلك ترقية جهاز التعذيب الي رتبة وزارة. بينما استمرت ازمة البطالة وتكثفت سياسة التجنيس واستقدام الاجانب، وحرمان عدد غير قليل من المواطنين من الجنسية.هذه التطورات السلبية في الوضع الداخلي أصبحت مفهومة لدي المواطنين علي نطاق واسع، وبالتالي انحسرت شعبية الملك الي درجة أدني مما حدث لاسلافه. ولذلك تحركت آلة الدعاية الرسمية لتطويق الازمة مستغلة امكانات الدولة لطرح صورة جديدة للحكم تختلف عن الصورة التي بدأت تتكون في الاذهان بعد ما يسميه المواطنون الانقلاب علي الدستور . وبالغت تلك الآلة الدعائية الامعان في التضليل باستعمال الادوات اللغوية التي كانت المعارضة تستعملها وتسعي لتكريس الانطباع بوجود ديمقراطية تنافس أعرق الديمقراطيات في العالم ، و مملكة دستورية شبيهة بالممالك الدستورية الاخري . بينما تعتبر المعارضة الوضع القائم في البلاد استبدادا مقننا وهو أخطر من الاستبداد الذي لا يستند الي دستور ، وتسعي لتغييره بأساليبها السلمية، حسب ما تدّعي. وازداد الامر سوءا بعد 14 شباط (فبراير) الماضي عندما تكرست سياسة اصدار المراسيم الملكية وفرضها علي المواطنين كقوانين مدعومة بقوة الحكم. وغابت عن الساحة حتي تقاليد الشوري غير الملزمة التي كان الامير السابق يعمل بها بين الحين والآخر. فأصبح المرسوم يصدر من الملك ليبدأ تنفيذه لحظة الصدور. وقد احتجت الجمعيات السياسية علي هذا النمط من التعاطي، ولكن الملك تجاهل تلك الاحتجاجات. فقد أصدر دستورا جديدا بديلا للدستور الذي ألغاه بقراره الشخصي وبدون استشارة الشعب، وأصدر قرارات بتحديد مواعيد انتخابات المجالس البلدية الصورية، ومجلس النواب الذي لا يمتلك في الواقع اية صلاحية تشريعية. وقبل شهرين فرض توزيعا طائفيا للدوائر الانتخابية في الانتخابات البلدية برغم احتجاج الجمعيات السياسية. وأصدر مؤخرا اربعة مراسيم ملكية لها قوة القانون تتعلق بمجلسي الشوري والنيابي وديوان الرقابة التابع للسلطة التنفيذية والانتخابات، ولم يستشر أيا من المعنيين حول ذلك. في هذه الظروف أصدرت الحكومة، علي لسان الوزير محمد المطوع، قرارا بمنع الجمعيات السياسية من مزاولة السياسة مطالبا اياها بالانشغال بالسياسة وليس الاشتغال بها . وكانت الجمعيات السياسية تعتقد من قبل ان من حقها اتخاذ قرار المشاركة في الانتخابات البلدية، والنيابية، برغم عدم جدوي تلك المجالس، ولكن الوزير أبلغها قرار الحكم بعدم حقها في اتخاذ ذلك القرار. فأصبحت الجمعيات السياسية في وضع محرج جدا. وهناك مطالبة لتلك الجمعيات باتخاذ القرار الذي تستطيع اتخاذه، ولا يستطيع الحكم منعها منه، لكي تحتفظ بشيء من المصداقية، وهو قرار مقاطعة الانتخابات المقبلة للمجلس النيابي الصوري. الآن وقد انتهي مشروع الشيخ حمد الاصلاحي بشكل مأساوي، هل تجدي سياسة الاستحواذ الاعلامي علي وسائل الاعلام المحلية وشراء صفحات بعض وسائل الاعلام الاجنبية في تغيير الصورة التي انطبعت في اذهان المواطنين؟ وهل يمكن، في ظل تطورات العشرين شهرا الماضية، الحديث عن مشروع اصلاحي واعادة الثقة الي النفوس التي شعرت بالغبن نتيجة سياسات الاستغفال والتضليل التي مورست خلال تلك الفترة؟ لا شك ان هناك متحمّسين لمسايرة الدعاية الحكومية والهرولة وراء مشروع السراب السلطوي، ولكن المؤكد ان الغالبية القصوي من المواطنين فقدوا الثقة في وجود مشروع سياسي لدي الشيخ حمد أفضل مما كان لدي والده وعمه. وأصبحوا يشعرون بان مشروعه هو الاخطر في تاريخ البلاد، اذ لم يحدث خلال المئتي عام الماضية ان نجح حاكم سابق في تغيير تركيبة البلاد الديمغرافية. ولم يحدث قط ان تم تجاوز المواطنين في القرارات وصياغة مستقبل بلادهم بالشكل الذي حدث في العشرين شهرا الماضية.هذه التطورات السلبية لها جوانبها الايجابية. ومن ذلك حالة الاستيعاب الشاملة لدي المواطنين لخطورة الخطة الحكومية هذه المرة، وهي الخطة التي يتظاهر اهلها بالوطنية والع
مل لصالح الشعب، بينما تمارس اجهزة الامن اساليب اخري للابتزاز والانتقام ممن يعارضون المشروع السلطوي الاستبدادي. هذا الاستيعاب دفع بعض المثقفين لتدبر اوضاع البلاد وطرح مشروع مقاومة مدنية سلمية شاملة تضم رموز الاطياف السياسية في البلاد، وتطالب الملك باعادة العمل بالدستور والتخلي عن القرارات غير الصائبة التي طرحها في السنوات الاخيرة. كما ان هناك استعدادا لمقاطعة انتخابات اكتوبر المقبلة كخطوة اولي علي طريق المقاومة المدنية الشاملة.