Archive

Bahrain Freedom Movement

ثمة صراع جديد – قديم بين الرغبة في تحقيق نتائج سريعة من النضال، أيا كانت وبأي ثمن، والاصرار على مواجهة الظلم بدون مساومة او مداهنة. انه ليس ظاهرة جديدة، بل متأصلة في التاريخ البشري، لأسباب عديدة: منها ان طبيعة الانسان الاستعجال في الامور: “وكان الانسان عجولا” الاسراء 11. ثانيها ان الانسان يتعب من العمل والنصب والنضال، وتدفعه نفسه لطلب الراحة بعد انتهاء المحنة. ثالثا: ان غياب الايمان الراسخ بما ينتظر الانسان في الغيب من أجر وجزاء لما عمل، يدفعه لطلب النتائج عاجلا. فكيف تعالج هذه الظاهرة؟ اول الاساليب تأصيل الايمان بالله في النفس، وهذا هدف عملي وليس من اجل التخدير، فالايمان بالله واليوم الآخر يدفع الانسان للعمل في سبيل الله بلحاظ الاستثمار للآخرة، فيحتسب أجره عند الله وليس من غيره. ثانيها تعميق الايمان بعدم ضياع اي عمل: “ان الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى”، ثالثها ترسيخ الارتباط بيوم الآخر، ففيه الجزاء الاوفى. يقوم الامام علي عليه السلام: “انما يعجل من يخاف الفوت، ويحتاج الى الظلم الضعيف”. رابعها: العمل على رفع معنويات العاملين ونفسياتهم الى مصاف المجاهدين الاشاوس ممن سبقوهم بالايمان، اولئك الذين خلدهم التاريخ بعملهم، وصعدوا الى ربهم فاثابهم بما عملوا جنات تجري من تحتها الانهار. اذا تحقق ذلك فلن يفكر الانسان في حصد النتيجة الدنيوية، فهو مؤمن معتقد بربه قد سخر حياته من اجل ذلك: “قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”.
يدور اليوم صراع فكري وايديولوجي حول هذه المفاهيم، بين اطروحتين: اولاهما تقوم على اساس القيام بالتكليف الشرعي بغض النظر عن النتائج. وهذه هي مدرسة النضال المتواصلة التي يضحي فيها اهلها استجابة للنداء الالهي واداء للواجب، ووثانيتهما تربط التحرك بضمان النتائج، فما لم تضمن النتيجة سلفا فلا معنى للتحرك. انه صراع بين اطروحتين متضادتين تماما، وثمة اسباب توضح ذلك: اولا لا يستطيع احد ان يتنبا بالنتائج، ثانيا: لو أمكن معرفة النتائج سلفا، لما كان هناك مصداق للتضحية والاستجابة المطلقة لنداء الله. ثالثا: ان الله وحده قد كفل النتائج للعاملين: وقل اعملوا فسيرى الله  عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون الى عالم الغيب والشهادة. رابعا: اان العمل انما هو تأسيس لمستقبل افضل للاجيال القادمة، وقد لا تتحقق النتائج في حياة الجيل المعني بالحركة، بل قد تتأخر لاجيال قادمة. وهنا يمكن ايراد قصة طريفة ذات مغزى. مر شخص برجل عجوز يغرس في الارض نواة التمر، فسأله: أتأمل ان تنبت هذه النواة نخلة فتكبر وتؤثي ثمرتها وتأكل منها وانت في هذا العمر؟ فقال الرجل العجوز: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون.

نتذكر اطروحة العمل القائمة على قاعدة وجوب “تطبيق التكليف الشرعي” ونحن نحيي ذكرى رحيل الامام الخميني رحمه الله، الذي جعل مواجهة الحكام الظالمين تكليفا شرعيا بغض النظر عن النتائج. فعلى الانسان المكلف ان يقوم بدور مواجهة المنكر خصوصا الظلم، اما النتائج فهي بيد الله سبحانه  وتعالى. اما اشتراط التحرك بضمان النتائج فيسلب عنصر الطاعة من المعادلة، ويحول القضية الى حسابات الربح والخسارة التي تفتقد البعد الايماني. من هنا لم يتوقف المؤمنون عن مقارعة النظام الخليفي الباغي في البحرين، انطلاقا من التكليف الشرعي اولا، وحب الحرية من جهة اخرى، والدفاع عن النفس من جهة ثالثة. هذا النضال بدأه أسلافنا الأحرار (سنة وشيعة) وحملته الأجيال بشكل متواصل بدون ان تعترف بوما بشرعية الحكم الخليفي الا في اطار التوافق، وسار عليه ابناء الجيل الحاضر، وفقهم الله لطاعته والعمل من اجل دينه ونصرة المستضعفين، وردع الظالمين والمستبدين والقتلة والسفاحين، انه سميع مجيب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق