Archive

Bahrain Freedom Movement

تضاعفت معاناة اهل البحرين في السنوات الخمس الاخيرة لاسباب عديدة. فبالاضافة لسقوط المشروع السياسي وما صاحب ذلك من تعمق القمع والاضطهاد والاستبداد، تعمقت ظاهرة الفساد المالي والاداري بوتيرة غير مسبوقة. ولم يعد خافيا على أحد اليوم مدى فساد رموز “المشروع الاصلاحي” وفي مقدمتهم الحاكم ونجله اللذان توسعت امبراطوريتهما المالية لتستوعب الاراضي البحرية التي اغتصباها بالقوة والعائدات النفطية التي لا يسمحان لاحد بمساءلتهما بشأنها. لقد دخلت البلاد في العهد الحالي نفقا أشد ظلاما من الحقبة السوداء لان المشروع السياسي الخليفي يعتمد ثلاثة أبعاد اساسية. اولهما البعد السكاني الذي يستهدف احداث تغيير جوهري في التوازن السكاني، وهي جريمة كبرى لم تمارسها الا قوات الاحتلال الاسرائيلية، وما تزال فصولها تتواصل بدون توقف. ثانيهما: البعد الاقتصادي الذي تفوق فيه الحاكم ونجله على رئيس الوزراء في النهب والسلب ومصادرة اموال الناس ظلما وعدوانا. فلا أحد يستطيع التدخل لوقف الاستيلاء على الاراضي، خصوصا ما يدفن من المناطق البحرية. وقد تم تشكيل المجالس البلدية لايهام العالم بوجود دور شعبي في تنظيم ادارة مناطقهم، ولكن هذه المجالس ممنوعة من التطرق لمسألة الاراضي وسرقتها، ولا يحق لأي من اعضاء المجالس البلدية ان يعترض على نهب الاراضي البحرية التي تتخذ العائلة الخليفية القرارات بشأنها. ولم تستطع المجالس البلدية استرجاع شبر واحد من الاراضي المنهوبة، ان البحرين تواجه حالة من النهب والاستلاب لم يشهدها بلد آخر في المنطقة، فيما يعيش الناس فقرا وفاقة تمنع ابواق السلطة من التطرق لها. ثالثها التنظيم الاداري والسياسي الذي اصبح مؤمما بشكل كامل بأيدي العائلة الخليفية، ولا يسمح لاحد من المواطنين بالتحرك الا ضمن الاطر الرسمية التي تبدو وكانها ممارسة ديمقراطية، بينما الحقيقة انها ترسيخ لحالة استبداد متميزة قلما تحدث في البلدان الاخرى.

حاكم البلاد، المدعوم من قبل الاستخبارات الامريكية، يراهن على اساليب الاحتواء والتضليل والتشويش لابقاء المعارضة لحكمه الاستبدادي بمنأى عن التحديات والعواصف السياسية. فالدعم الانجلو – أمريكي لحكمه، في نظره، قادر على حمايته من غضب الشعب، وان سياسات الاحتواء والتحييد لقطاعات مجتمعية كانت معارضة في السابق ستوفر هي الاخرى استقرارا على الصعيد الشعبي يمنع بروز معارضة جادة كما كان الامر عليه في السابق. ولكن تطورات الشهور الستة الماضية، اي ما بعد الانتخابات الاخيرة للمجالس الخليفية الصورية، أثبتت، بدون شك، استمرار حالة الاحتقان السياسي، على نطاق أوسع كثيرا من السابق، يعني تعمق الازمة وانها ستصل يوما، باذن الله، لمفاصلة كاملة مع نظام التوارث الاستبدادي. ويلاحظ ان العائلة الخليفية اعتمدت اساليب عديدة لمواجهة هذه التطورات الخطيرة. فقد زجت بقوات الشغب المدججة بالسلاح لمواجهة الاحتجاجات شبه اليومية، ولكن كان لذلك الزج آثار سلبية، اذ اثارت المواطنين واقنعت قطاعات اوسع بظلم النظام وارهابه وضرورة التصدي له ولجرائمه. وفي الوقت نفسه، عمدت العائلة الخليفية لتحويل المعركة من مواجهات بين اهل البحرين ورموزها وقواتها، الى معركة داخلية. وقد بدأ ذلك بطرح مشروع “الميليشيات الشعبية” وذلك بدفع بعض العناصر التي تم احتواؤها في المشروع الخليفي لتنظيم مجموعات من المواطنين لمواجهة المتظاهرين في المناطق المختلفة على اساس ان اعمال المقاومة المدنية لا تجدي شيئا. ولوحظ ايضا ان المتحمسين لهذا المشروع اصبحوا يعملون وفق مبدأ “ان كل مواطن خفير” وتشجيع بعض المواطنين للوقوف بوجه اخوتهم المجاهدين الذين رفضوا مسايرة الاحتلال الخليفي وأصروا على مواجهته بكافة الوسائل السلمية المتاحة. العائلة الخليفية تهدف لاثارة فتنة داخلية في صفوف المواطنين، ولكن اصرار الاحرار على مواجهة تلك الفتنة بموقف حاسم، ورفض مشروع “الميليشيات الشعبية” و “فرق الموت” سوف يمنع نجاح المشروع الخليفي ومروجيه.

وفي هذه المعركة التي اصبحت لدى الطرفين “صراعا على الوجود” لم توفر العائلة الخليفية وسيلة لفرض ارادتها ومشروعها الهادف للقضاء على هوية البحرين وتاريخها وحقوق شعبها. ولوحظ الاستخدام المكثف في الشهور الاخيرة للابواق الاعلامية  التي تروج للمشروع الخليفي الظالم بلا ضمير او انسانية. وما اجتماع وزير الداخلية الشهر الماضي برؤساء تحرير الصحف وحثهم على الترويج لمشروع “الميليشيات الشعبية” وتشجيع التجسس لصالح الاحتلال الخليفي الا مؤشر لحالة اليأس التي يعيشها المسؤولون الخليفيون، وهم يواجهون غضب المواطنين، خصوصا بعد ان برزت ملامح حراك وطني يتجاوز الحدود الطائفية، ويطرح مشروعا وطنيا يهدف لاستعادة حقوق الشعب وافشال المشروع الخليفي الجائر. فلم يعد المعارضون اليوم مقتصرين على “الشيعة” او “الاسلاميين” بل اصبحت المعارضة، خصوصا المتمثلة بحركة “حق” تضم كافة الاطياف السياسية والمذهبية، الامر الذي ازعج العائلة الخليفية لانه يضربها في الصميم ويفشل ادعاءاتها وسياساتها التمزيقية. وقد بلغ غيظها مستويات لم يبلغها من قبل، فاعتقلت بعض الرموز الكبيرة، مثل الاستاذ حسن مشيمع وعبد الهادي الخواجة، قبل شهرين، واطلقت سراحهما عندما لاحت في الافوق بوادر ثورة شعبية كاسحة. ولكن الشيخ حمد امتعظ من هذا الوضع الذي اظهر فشل مشروعه بشكل واضح، وأمر باعادة التنكيل بهذه الرموز، فوجه لهما استدعاء جديد من شأنه ان يفجر الاوضاع مجددا. ويخطيء المخططون لآل خليفة اذا اعتقدوا ان بامكانهم تمرير مشروعهم التخريبي بهذه الاساليب القديمة. فما داموا قد فشلوا في اقناع المواطنين بجدوى مشاريعهم الانتخابية لمجالس صورية، وهو اقصى ما احتواه مشروعهم، فكيف سيتمكنون من احتواء المشاعر الغاضبة الناجمة عن الشعور بالظلامة والتهميش؟ والمتوقع ان تتضاعف وتيرة الاضطرابات السياسية في البلاد في الشهور المقبلة، خصوصا مع استمرار الاعتقالات وممارسة التعذيب وتصاعد الاصوات المناوئة للاحتلال الخليفي والاستبداد السلطوي، وتعدد الانماط الفكرية والسياسية المنزعجة من تسلط الشيخ حمد ونظام حكمه. فحتى الوزراء اصبحوا يشعرون بالقمع والتهميش لان القصر الملكي فوق كل شيء، فهو الذي يتصرف حسب ما يشاء ويسعى لفرض سياساته بكافة الوسائل الدنيئة، ويمارس الفساد على نطاق اوسع من السابق. وجاءت تقاير البندر وما كشفت عنها من مخططات اجرامية لا يمكن ان يمارسها نظام حكم عصري، لتزيد الشعور الشعبي غضبا وتوترا، خصوصا بعد قيام العائلة الخليفية بمحاكمة الدكتور صلاح البندر، كاتب التقرير، غيابيا، ورفضها التطرق لمحتويات تقريره او تقديم تفسير منطقي لما يمارسه القصر الملكي من مؤامرات متواصلة ضد اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة).

ان تصاعد فعاليات المقاومة المدنية في الشهور الاخيرة على ايدي الجيل الجديد من المواطنين الذين بدأوا يشعرون بالظلم التاريخي لهم ولشعبهم وارضهم وثقافتهم، يؤكد ان معركة الوجود التي يخوضها شعب البحرين طويلة ومتواصلة، ولن تتوقف بالتآمر السلطوي او سياسات الاحتواء او الاقصاء او التنكيل. ويحظى الشباب المقاوم للاحتلال الخليفي دعما واسعا داخل البلاد وخارجها، لانه يعبر عن روح تقدمية تطالب بالحرية واحترام حقوق الانسان وقيام نظام سياسي عصري قائم على التوافق الوطني، وليس وفق ارادات العائلة الخليفية التي تعاملت، وما تزال تتعامل، مع اهل البحرين بعقلية الاحتلال، وتفرض دستورها الشبيه بالدستور الذي كانت قوات الاحتلال الامريكي تسعى لفرضه على اهل العراق لولا تدخل المرجعية ورفضها دستورا لم يكتبه اهل العراق. ان معركة الوجود التي يخوضها اهل البحرين نضال مقدس لانه دفاع عن الانسانية والدين والاخلاق والحقوق والوجود، ولن تتمكن العائلة الخليفية من تمرير مشروعها السافل مهما مارست من قمع وتعذيب واضطهاد، واحتواء وشراء للضمائر والذمم والاقلام والمواقف. فلقد ارتشفت الاجيال من معين النضال التاريخي منذ اكثر من ثمانين عاما، واصبحت تنطلق وفق شرعية الحق، وترفض الشرعية التي يفرضها القانون، اذا كان ذلك القانون منطلقا من عقلية احتلال وارهاب واستبداد. تحية للصامدين الابطال، ومرحى لتلك النفوس الكبيرة التي لا تترنم الا بأناشيد الحرية، وترفض الاستعباد والاستبداد، وتعشق النضال لانه الطريق الى الحرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق