Archive

Bahrain Freedom Movement

من المشاكل التي يبتلى بها عامة الناس عدم وضوح المباديء التي يؤمنون بها بشكل قاطع، منفصلة عن الاشخاص، فكثيرا ما كان الارتباط بين الطرفين (المباديء والاشخاص) عضويا، بحيث لا ينفكان احدهما عن الآخر. ومن خلال ملاحظة الواقع يمكن القول ان قوة الشخص احيانا تطغى على قوة المبدأ. فاذا به يتحول، في نظر اتباعه ومريديه، الى مجسد لذلك المبدأ بصورة لا يمكن تفكيكها. ويتحول الشخص بعد ذلك الى مصداق لذلك المبدأ. ويتحول المبدأ او القيمة حينئذ الى ما يمثله الشخص او يقوله، ويصبح في نظر أتباعه الى “مصدر تشريع” مواز لبقية المصادر. وهذه أزمة تعود بذيولها الى الصدر الاول للاسلام. فعندما طرح اسم علي للترشح للخلافة بعد وفاة الخليفة الثاني، كان من شروط مبايعته ان “يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين” ولكنه رفض الشرط الثالث، اذ اعتبر ان سيرة  الشيخين لا يمكن ان تصبح أصلا من أصول الدين. ونسبت الى الامام علي عليه السلام أقوال مهمة ذات علاقة بهذا الموضوع، فهو القائل: اعرف الحق تعرف أهله” و “لا تقيسوا الحق بالرجال، ولكن قيسوا الرجال بالحق”. فالامام هنا يسعى لتثبيت أساس فكري وديني للمسلمين، يتمثل بالفصل بين الحق والشخص، بحيث يقاس الشخص بمدى التزامه وتجسيده للمبدأ، وليس العكس.
وثمة مصاديق لهذه المشكلة، نشاهدها في واقعنا المعاش. فالسجال الفكري والسياسي اصبح محاصرا بقيم غير متصلة بسياق الفكر الاسلامي وما ورد على ألسنة الرسول والأئمة عليهم السلام. هذا السجال اصبحت مرجعيته قول فلان وفعله وموقفه، وليس قول الاسلام وحديثه وآياته. وهذا تطور سلبي خطير لانه يحول الاشخاص الى “مصادر تشريع” موازية لبقية المصادر، بدلا من ان تكون محاسبتهم منطلقة على  اساس مقارنة مواقفهم واقوالهم بما ثبت من كتاب الله وسنة الرسول وسيرة أهل البيت عليهم السلام. وكثيرا ما رفض كلام مستند الى النص المقدس، ليس لانه حديث ضعيف في متنه وسنده، بل لانه يتناقض مع يقوله هذا العالم او ذاك. وعندما يصبح السجال وفق هذه القيم تزداد الفجوة مع الدين، ويتحول الاشخاص الى مصادر تشريع أخرى غير المصادر المعروفة لدى المسلمين. اننا امام مشكلة حقيقية كثيرا ما أعاقت حركة التغيير في مجتمعاتنا، لان الحركة الاجتماعية والسياسية كثيرا ما ارتبطت بمرجعيات لا تؤمن بالتصادم مع السلطات، الأمر الذي أحدث شروخات في العمل المعارض، وإرباكات غير قليلة في مشروع التغيير. المشكلة تتجاوز هذه الحدود عندما ترتفع الاصوات لتمنع المقاومة الصريحة للظلم ومقاطعته. وعندما تطرح الأدلة الشرعية المستمدة من القرآن وأحاديث رسول الله وأهل بيته عليهم السلام الداعية لمقاومة الظلم، يرفض ذلك على اساس ان ذلك مخالف لما يريده بعض العلماء. وهنا يظهر التعارض بين المفهوم والمصداق، وتتحول القضية الى ازمة كبيرة في طريقة صياغة المفهوم الاسلامي وتحديد الواجب الشرعي، واين ينتهي النص ويبدأ الاجتهاد.
لا ندعى امتلاكنا الحقيقة الدينية المطلقة، ولكننا ندعو الى تحديد أطر للمفاهيم الاسلامية لتعريف “الحق” وتمييزه عن “الرجال” فبدون هذا التمييز سيظل التداخل عامل اضطراب متواصل يمنع الرؤية السليمة ويشوش على فهم ما هو دين وما ليس دينا. مطلوب من الجميع اعادة قراءة توجيهات الامام علي عليه السلام التي تميز بين الحق بما هو قيمة عليا حددها الاسلام في مفاهيمه الواضحة، والرجال الذين قد يقومون بالحق وقد لا يقومون به. وبدون هذا التفريق هنالك خشية من الابتعاد عن اداء المهمة الاسلامية التي هي مهمة الانبياء جميعا، وهي اقامة العدل ومحاربة الظلم في كل زمان ومكان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق