Archive

قَدرُ الديمقراطية في البحرين إما نعم أو نعم

قَدرُ الديمقراطية في البحرين إما نعم أو نعم!

بقلـم/ عمـران سلمـان

تاريخ النشر: الثلاثاء 25 يونيو 2002, تمام الساعة 03:26 صباحاً بالتوقيت المحلي لمد ينة الدوحة

في البداية أجدني مضطرا، للتوضيح هنا منعا لأي لبس، أن ما يثار في البحرين هذه الأيام حول معارضة قرار ازدواج الجنسية القاضي بالسماح للخليجيين بالحصول على الجنسية البحرينية دون التخلي عن جنسيتهم الأصلية والعكس صحيح، والذي أقرته البحرين

 مؤخرا (أو بالأدق صدرت بشأنه توجيهات ملكية)، لا يستهدف الخليجيين الذين هم أخوة وأحباء، مرحب بهم دائما وأبدا في البحرين وفي أي وقت، لكن للمسألة اعتباراتها الداخلية المحضة التي لا أشك أنهم يفهمونها تماما.

والواقع أنني لم أكن أود تناول هذا الموضوع لأسباب معظمها متعلق بالافتقار حتى الآن للتفاصيل، وغياب الشفافية. لكن ما حتم علي الخوض فيه مسألتان: الأولى أن القضية أخذت بعدا شعبيا كبيرا وأصبحت مثار جدل في الساحة البحرينية. والمسألة الثانية، هي تصريحات وزير الإعلام البحريني نبيل الحمر لصحيفة الحياة (16 يونيو 2002)، والتي قال فيها بالنص “إننا في البحرين ننطلق دائماً في قراراتنا نحو ترسيخ الوحدة الخليجية، ولكن يبدو أن هناك من يرفض هذه الوحدة، ويسعى إلي زعزعة كل توجه نحوها، وهي كما نعتقد منطلقات انعزالية وترتبط بأفكار خارجة عن توجهات الخليج العربي”.

هذا التصريح لم يكن ملائما على الإطلاق ولا نبالغ إذا قلنا إنه أطلق جزافا ومن غير بينة، وينتمي في شكله ومضمونه إلى أسطوانة التهم المشروخة التي طالما استخدمتها الحكومة البحرينية واستخدمها نبيل الحمر بشكل خاص حينما كان رئيسا لتحرير صحيفة الأيام المحلية، لرمي المعارضين والتحركات الشعبية، بالتآمر والعمالة للخارج.

لم نكن نود إذن أن يخرج هذا التصريح من وزير الإعلام لاسيما وهو يمثل الحكومة، وأن يكون في صحيفة عربية واسعة الانتشار.

مبرر الاستعجال

فأيا يكن رأي أو وجهة نظر الرافضين للمشروع، لا يجوز وصمهم “بالسعي لزعزعة الوحدة الخليجية” أو وصم وجهة نظرهم “بالانعزالية والارتباط بأفكار خارجة عن توجهات الخليج العربي”. المسألة لا تحتمل كل ذلك، وهي أبسط من هذا بكثير. وأي شخص منطقي أو منصف لا يمكنه أن يعتبر أن رفض تعديل الجنسية مرتبط بالموقف من الوحدة الخليجية.

فالجنسية شأن محلي خالص كما هو في أي دولة. وحين يتم تقرير قضية من هذا النوع وبهذا المستوى والخطورة فالأمر الطبيعي أن يقول الناس رأيهم فيه، إما تأييدا أو رفضا. وفي السياق الحالي الذي تعيش فيه البحرين، حيث خرجت للتو من انتخابات بلدية وتستعد للدخول في انتخابات برلمانية (إذا كتب لها النجاح)، يصبح من المنطقي أن يتم الانتظار لحين انتهائها وعرض الأمر على البرلمان الجديد، أو عرضه في استفتاء شعبي بعد التمهيد له في وسائل الإعلام والسماح بأن يأخذ مداه الطبيعي من المناقشة والدراسة.

لذلك فالسؤال هو: ما وجه الاستعجال في هذه القضية بصورة تحتم البت فيها بهذه السرعة والطريقة التي دفعت حتى وزير الإعلام نفسه الذي فوجئ بحجم المعارضة في الشارع، إلى التصريح قبل أيام بأن ما اعتبره سوء فهم أو لبس يعود إلى أن وسائل الإعلام المحلية من تلفزيون وإذاعة وصحف محلية، قصرت في شرح وعرض الموضوع!

ألا يعزز ذلك من شكوك المعارضين لتعديل الجنسية الذين رأوا فيه محاولة للتأثير على الانتخابات القادمة وترجيح كفة دون أخرى؟ وألا يعزز ذلك من مخاوف كثير من البحرينيين الحاليين من أن يصبحوا في المستقبل غير قادرين، على تقرير أبسط شأن من شؤونهم؟ هذا وجه من وجوه القضية.

وضع طائفي حرج أما الوجه الآخر، ولنقل ذلك بصراحة شديدة، إن المسألة حساسة جدا؛ فالوضع الطائفي في البحرين هش وحرج، وأي محاولة لتغيير هذا الوضع بوسائل مصطنعة وقسرية، من شأنه أن يثير توترا لا ضرورة له، فضلا عن أنه سيضاعف من واقع الشعور بالغبن الطائفي الذي يتعرض له الشيعة رغم أكثريتهم في البلاد.

لقد جربت الحكومة حتى الآن سياسة التجنيس العشوائي في محاولة منها لتغيير التركيبة السكانية، فاستقدمت الآلاف من بدو سوريا والأردن بالإضافة إلى أعداد من اليمنيين والسعوديين والاجانب، ومنحتهم الجنسية البحرينية. ويبدو أن الكلفة الاجتماعية لهذه العملية وشكاوى المواطنين المرة من السلوكيات غير المألوفة والغريبة على مجتمعنا التي يقوم بها البحرينيون الجدد، قد أقنعت الحكومة بعدم صواب ما فعلته. فكان أن وجدت الحل في الخليجيين. وهذه مسألة بحاجة إلى بعض النقاش لاستجلاء صورتها وأبعادها.الكل يعرف أن مستوى ما تقدمه معظم دول الخليج لمواطنيها من امتيازات هو أعلى بكثير مما تقدمه البحرين، فما الذي ستضيفه الجنسية البحرينية والحالة هذه إلى الجنسيات الخليجية الأخرى، كي تغري هؤلاء بطلبها؟

والقضية الأخرى أن الأمر لا يتعلق فقط بقبول البحرين أن يحتفظ الخليجي بجنسيته الأصلية إلى جانب الجنسية البحرينية، بل لا بد أن تسمح دول الخليج بذلك أيضا لمواطنيها، كي تصبح المسألة ممكنة من الناحية العملية. والواقع أننا لا نملك معلومات حول ما إذا كانت باقي دول الخليج تسمح بازدواج الجنسية أم لا. لكن حتى لو افترضنا أنها تسمح به، فما الذي تستفيده البحرين من عرضها؟ إن الخليجي يستطيع الآن أن يزور البحرين ويقيم فيها ما شاء له أن يقيم. وهو يستطيع أن يستفيد من معظم التسهيلات والخدمات المتوافرة للمواطنين، والتشريعات المعمول بها حاليا في البلاد تعطي الخليجي إمكانية الاستثمار والتملك وما شابه من النشاطات التجارية. فما هو وجه المبرر في منح الجنسية، من جانب واحد وفي غياب اتفاق مماثل من باقي دول الخليج؟ ألا يدفع ذلك إلى الاعتقاد بوجود أهداف أخرى، غير التهالك على الوحدة الخليجية المسكينة المفترى عليها؟ وألا يفجر ذلك الشكوك بأن الغرض هو توفير الغطاء الشرعي والقانوني لبعض الفئات الموجودة في دول خليجية محددة للحصول على الجنسية البحرينية من دون أن تخسر جنسيتها، لتحقيق أهداف محلية؟ الوحدة الخليجية

أما هذا الولع الجديد الهابط على أفئدة البعض حول الوحدة الخليجية، ممن لم يعرف عنهم من قبل ولا في أي يوم من الأيام حبهم للوحدة فهو يثير الاستغراب. والأغرب منه أن تصبح هذه الوحدة هي التفسير الرئيسي لتعديل الجنسية البحرينية.

فهل توجد أدنى علاقة بين تعديل الجنسية وبين الوحدة الخليجية؟ إن الوحدة بين دول الخليج هدف سام يسعى له جميع مواطني دول مجلس التعاون. ولو أجري استفتاء على هذه المسألة بين شعوب المجلس، لحاز على نسبة ساحقة من التأييد.

لكن للوحدة أصولها وقواعدها المعروفة، وليست ابتداعا. وتوحيد الجنسية هو آخر عملية في طريق طويل من الإجراءات والاتفاقات، ولا يمكن أن تبدأ الوحدة من الجنسية. يكفي أن مجلس التعاون الذي مضى على تأسيسه أكثر من عشرين عاما فشل حتى الآن في تحقيق أي إنجاز وحدوي يعتد به. من هنا أعتقد أنه يجب عدم إقحام مسألة الوحدة في الموضوع والإساءة إلى هذا المطلب الخليجي الحيوي.

إن الذين أعلنوا معارضتهم لتعديل الجنسية (وهم بحرينيون من حقهم مثلما من حق الحكومة أن يكون لهم رأي في شأنه يمس حياتهم) انطلقوا من رفضهم للطريقة التي تم بها تقرير هذه المسألة الحيوية والخطيرة، ثم من مخاوفهم من أن يتم استغلال هذه المسألة في التأثير على العملية الانتخابية ومدخلا لتغيير عميق في التركيبة الديمغرافية للبحرين، ولم يكن يدور في بالهم أن يأتي أحد ليشكك في وطنيتهم.

لقد كان من المؤمل أن تلجأ الحكومة إلى الاستماع لمبررات الرافضين وتفهم المخاوف الكامنة وراء موقفهم، ومحاولة تبديدها، سواء عبر طرح ملف الجنسية على استفتاء شعبي أو على الأقل عرضه على الجمعيات السياسية والأهلية، بدلا من إطلاق التهم جزافا ووصفهم “بالانعزالية والارتباط بأفكار خارجة عن توجهات الخليج العربي”. لكن ماذا نفعل؟.. هذا هو قدر الديمقراطية في البحرين، إما أن نقول نعم أو نعم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق